العذاب بالخسف

خسفنا به وبداره الأرض
الإنسان المؤمن في هذه الحياة يتقلب بين طاعة وذكر لله ودعوة إلى الله وطلب للعلم وصنع للمعروف، يعيل أهله ويربي أولاده على طاعة الله ويمشي في الحياة بما يرضيه جل جلاله .
أما الإنسان العاصي والغافل عن الله تعالى فهو يتنقل بين شهوة استعبدته، وغفلة ضل فيها طريقه وعمى للقلب فانطمست به بصيرته، وختم له بخاتمة سوء إن لم يلطف به الله تعالى ويعود إلى رشده ويتوب من غفلته.
وقصتنا اليوم تنقل لنا مشهدًا من مشاهد القرآن الكريم التي سطرها لنا من آلف السنين وكأنَّ التاريخ يعيد نفسه وهي مماثلة لما حدث مع الطاغية قارون عليه لعنة الله .
وننقل البث مباشرة إلى الأستاذ خالد الذي عاين أحداث هذه القصة وجرت على مسامعه وأما ناظريه في أحد شوارع طرابلس التبانة عند رجل حباه الله تعالى من الأموال والعقارات والبنايات فهو يعتبر فاحش الثراء مقارنة مع أترابه ومعاصريه، ولكنه أصيب بداء الغرور والتكبر والبعد عن الدين وإن شئت إنكار الدين والآخرة، حيث ذهب الأستاذ خالد مع والده الشيخ محمد لزيارة هذا الرجل زيارة ود لمعرفة سابقة وبفعل الجيرة التي بينهم لتفقد أحواله والسؤال عنه، وكان من عادة الشيخ محمد رحمه الله تعالى أن لا يفوت مجلسًا إما بنصيحة هنا أو موعظة هناك أو أمر بعروف هنالك.
فهو يعرف عنه طلاقة الوجه وحلو الكلام والمنطق وطيب المعشر وهو يعرف هذا الرجل ومدى بعده عن الدين وطاعة الله تعالى، وبعد تبادل للكلام والسؤال عن الأحوال لابد للدين وكلام الدين من مقال، فحدثه ناصحًا يا ابا فلان متى التوبة والأوبة والعودة إلى الله تعالى فقد تقدم بك السن وأصبحت على مشارف الموت فتهيأ للقاء الله تعالى بعمل صالح يشفع لك عنده ، بصلاة أو زكاة أو صدقة، وإذا بهذا الرجل المتعجرف المتكبر الطاغية يرد على الشيخ ردًا صُعق منه وكأنَّ مطرقة ضربت على رأسه ” يا شيخ محمد وفر كلامك لأحد غيري فأنا لست بحاجة إلى الله ، انظر إلى هذا البناء الذي خلفك فهو لي بنيته بعرق جبيني وبسواعدي وجهودي فهو يتألف من اثني عشر طابقًا وكل طابق فيه أربع شقق فإن أنا بعت شقة واحدة عشت بها طوال حياتي، ألم أقل لك أني لست بحاجة إلى الله، وكل هذا الذي أنا فيه إنما أوتيته على علم عندي كما قال قارون من قبل عليه لعنة الله. فرد عليه الشيخ يا أبا فلان اتق الله فهذا كلام فيه تحد لله تعالى وستحاسب عليه ، فكان الجواب اعتذر منك يا شيخ فأنا مشغول وليس لدي وقت لأسمع هذه الخرافات التي تقولون عنها بأنها دين وإيمان وآخرة .
مضت الأيام مسرعة كسرعة البرق وإن شئت كلمح البصر واشتعلت نار الحرب والفتنة بين أبناء الوطن الواحد بين شباب الجبل (جبل محسن ) وبين شباب التبانة في ثمانينات القرن الماضي ولكن لصالح من كانت هذه الحرب، ومن هو المستفيد منها؟ ومن هو الخاسر؟ ومن ومن؟ يبقى الجواب حائرًا لا طريق للوصول إليه، اشتدت المعارك الضارية بين الأخوة والجيران والأقارب وبدأت تنهال القذائف على كلا الطرفين كوابل من الأمطار يسقط من السماء، والمهم أن بناء أبو فلان الذي اعتد به وظن أنه سيغنيه طوال حياته، أصبح على حدود التماس وصار سدًا منيعًا وحاجزًا عظيمًا وعائقًا أمام ضربات المتحاربين ، فكلا الطرفين يحاول إزالته من وجهه حتى تسهل عليه تسديد الضربات وتحقيق الأهداف.
وفي صبيحة يوم مشمس إذا بمجموعة ملثمة ومسلحة تقتحم هذا البناء وتخليه من ساكنيه ومن بينهم مالكه ، فإذا بهم يجرّونه إلى الخارج جرًا، ويضربونه ضربًا مبرحًا، على وجه وظهره وبطنه وهو يصرخ ويصيح بنايتي هذه ملكي، اتركوني، اتركوا مالي، مستنداتي، جواهري، ولكن لا حياة لمن تنادي، تجهزت الجماعة الملثمة ، وزنرت البناية بالمتفجرات وبلحظة ضغط على زر التفجير وكأن الزمن توقف ماذا حدث يا ترى؟ فإذا بصوت مدوٍ كأنه زلزال أو بركان انفجر وتهاوى البناء أمام عيني مالكه فأصبح رمادًا رمددًا لم يبق به حجرعلى حجر، وقف ذلك الطاغية أمام بنايته المتهاوية التي أصبحت تلة من التراب فلم يتحمل ذلك المشهد فإذا به يقع على الأرض من هول الفاجعة ولكن بدون حركة أوكلام ، فقد أصيب بشلل نصفي وفالج بحنكه السفلي غير ملامح وجهه فأصبح شكله مفزعًا جراء ما حصل له وكأنه شيطان والعياذ بالله ، فيا له من منظر ومعتبر لمن لم يعتبر، فهوعلى زعمه ليس بحاجة إلى الله ، ونسي أن الله مالك الملك يعطي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويزل من يشاء وهوالمتصرف بكل شيء جل جلاله وهو على كل شيئ قدير.
مرت أيام وأسابيع وهو ملقى على الأرض في أحد الأبية لا أحد يزوره ولا يهتم به ينام على قطعة من الكرتون فهو على موعد مع ملك الموت ولكن كيف سيكون هذا اللقاء ، لقاء الملائكة في القبر وسؤال الملكين ، كيف سيكون اللقاء مع الله جلَّ جلاله، هنا انتهت الحياة ولكن بقي الأثر ولكن أثر كأثر قارون في زمن موسى عليه السلام فهذا الرجل يجسد قارون في القرن العشرين وهناك القصص الكثيرة المماثلة التي سمعتها والتي نسمعها من هذا القبيل، وها هو الركام لا زال شاهدًا حيًّا كما هو إلى زماننا هذا ولكن هل من معتبر؟ وهذه القصة نأخذ منها العبرة والموعظة لكي نعود إلى الله تعالى ونلجأ إليه جل جلاله .