حواري مع الجن

كنت جالسا في مكتبي كالعادة، أقوم ببعض الأعمال البحثية والمكتبية، إذ دق علي باب مكتبي، فأذنت للطارق بالدخول، فإذا هما موظفان يعملان عندنا في الأكاديمية، وكانت تظهر عليهما مظاهر الخجل والتردد، فقالوا يا أستاذ حدثت مشكلة ونرجو أن تساعدنا فيها، فقلت: وما هي المشكلة، فأخبروني أن أحد الطلبة أصابته نوبة من الهستيرية أثناء المحاضرة، ونريد منك أن تساعده في قراءة بعض الآيات عليه، ترددت في البداية، لأني لا أحب صراحة التعامل مع هذه الحالات، ولكنهم أخبروني أن جميع الأساتذة قد رجعوا، ومصطلح الأساتذة يطلق على الشيوخ المتدينين وأصحاب العلم في ماليزيا، فما كان مني إلا أن قبلت مساعدتهم، توضأت وصعدت معهم حيث يجلس الطالب، عندما دخلت إلى قاعة المحاضرة والتي كانت فارغة في ذلك الوقت إلا قليلا من بعض الموظفين والمحاضرين، رأيت الطالب جالسا على الأرض، وبيده الجوال يحاول الوصول إلى والده، حيث زعم أن والده دائما ما كان يساعده في قراءة الرقية عندما تأتيه هذه الحالة.

طلبت منه أحد المحاضرات أن يجلس على الكرسي، فجلس وجلست أمامه، وهو يحاول الاتصال بأخيه أو بوالده ولكن لا أحد منهما يجيب، فقلت له: اسمع هل تحفظ الفاتحة، فقال أنه يحفظها ولكنه لا يستطيع قراءتها، قلت له: لا عليك سوف نقرؤها سويا، وطلبت من باقي الزملاء أن يقرؤوا معي، وما إن بدأنا حتى بدأ بفتح جواله ومعاودة الاتصال بوالده، فأشرت إلى المحاضرة أن تأخذ منه الجوال، لقد أدركت أنه يحاول التهرب من قراءة أو سماع القرآن، ومن ثم بدأت بقراءة المأثورات، وما إن وصلت إلى نصفها، حتى صار يصرخ علي وهو يقول: اسكت، لا أريد أن أسمع صوتك، ولكني واصلت، حتى انتهيت من المأثورات، وأذنت ومن ثم بدأ بالصراخ علي قائلا: أنت لست قويا بما فيه الكفاية، لم يستطع أحد إخراجي، حتى الشيخ الذي يعمل في دار الشفاء لم يستطع إخراجي، فقلت له: ومن أنت حتى تأمرني، ولماذا تزعجه اخرج من جسمه الآن، ولكنه واصل الصراخ وواصلت القراءة، قرأت بسم الله 7 مرات وقرأت اللهم إنا نعوذ بعزتك وقدرتك من شر ما يجد فلان ويحذر، حتى هدأ وبدا عليه الإعياء.

وهنا دخل فردين من الأمن الجامعي، الذين نصحا الطالب أن يذهب إلى عيادة الجامعة، ويتناول بعض المقويات، حيث ظهر على الضعف والإعياء الشديدين، وبعد طول تفاوض معه وافق في النهاية أن يذهب إلى العيادة، ولم أعرف ماذا حدث معه بعد ذلك.

ولكن كلماته ما زالت ترن في أذني، (أنت لست قويا بما فيه الكفاية)، وهذه صرخة تضج بها أذني ويرتعد منها قلبي، خوفا مني من التقصير في حق الله، وتشجيعا لي بمزيد من العمل والتلاوة والصلاة، ومهما عملنا نظل مقصرين، ولكني ما زلت أتساءل كما يتساءل معي الكثيرون، هل كان هذا جنيا حقا تكلم على لسان الطالب وكانت عيناه حمراوان مخيفتان، ولماذا قرر الدخول في جسم هذا الطالب المسكين، وهل سوف يزعجني فيما بعد، نسأل الله السلامة لنا ولجميع المسلمين من شر ما خلق.